🛳️ قصة أسرار السفينة الغامضة… واكتشاف لم تكن ياسمين تتوقعه!
كان يا ما كان في قديم الزمان، في سلف العصر الصغير والأوان، ولا يحلو الكلام إلا بذكر الرحمن، والصلاة على سيدنا محمد خير الأنام.
في مدينه مزدحمه باسواق تعج بالحياه وتنبض باصوات الباع المتناثرين في الازقه كانت هناك ورشه نجاره قديمه تعرف باسم ورشه الياسمين . وداخل تلك الورشة، كان يعمل حسن النجار، الرجل الأمين والمخلص في عمله، محبوب أهل الحي.
وعلى مقربة من الورشة، كان حسن يعيش مع زوجته الجميلة، وفي كنفهما نشأت ياسمين، ابنتهما الوحيدة. أحبّها حبًا جمًا، ولم يكن هناك شيء يضاهي مكانتها في قلبه. كانت حياة الأسرة مستقرة، يملؤها الدفء، ولكن الأيام كالموج، لا تهدأ على حال.
في صباح أحد الأيام، ظهرت على زوجته علامات الحمى، ولم تمضِ سوى ساعات حتى اشتدّ عليها المرض. فشل الأطباء والحكماء في إنقاذها، ورحلت عن الدنيا، تاركةً فراغًا لا يمتلئ في قلب حسن. لقد كانت الأم روح البيت ومصدر الحنان والرعاية.
وبعد رحيلها، بدأ أهل المدينة يتوافدون على حسن، مقترحين عليه الزواج من جديد، لعلّه يجد امرأة ترعى ابنته ياسمين. لكنه أبى أن تترعرع ابنته في كنف زوجة أب، وكرّس حياته لرعايتها وتربيتها. ومنذ ذلك الحين، عُرف بين الناس بأنه نجار ماهر، رجل ذو نفس طيبة، محبّ لابنته، لا يبدل صحبتها بأحد.
بذل حسن كل جهده في تعليم ياسمين، فكبرت وأصبحت من أجمل وأذكى فتيات المدينة. فتاة رزينة، لا تستقر على حال. وما إن بلغت ياسمين الثامنة عشرة، حتى بدأ المرض ينهش جسد والدها، وراح يضعف يومًا بعد يوم. وعلى الرغم من ذلك، أخفى عنها مرضه، مصرًا على رعايتها وتعليمها فنون النجارة، وزرع في قلبها القوة والحكمة. كان دائمًا يقول لها:
"الخشب يا ابنتي مثل البشر، منه الفولاذ الذي لا ينكسر، ومنه الهشّ الذي تتهشّم أصغر ضربة. كوني كالخشب القوي، لا تسمحي لأحد أن يكسر إرادتك أبدًا."
وفي إحدى الليالي، اشتدّ المرض على حسن، ولم تفلح الأعشاب التي وصفها الحكيم في علاجه. شعر في أعماقه أن أيامه في الدنيا باتت معدودة، فقرر أن يصارح ياسمين بحقيقة مرضه ووصاياه الأخيرة. لكنه، وقبل أن يبدأ حديثه، رأى الدموع تملأ عينيها. لقد كانت تعلم منذ البداية ما يخفيه عنها، لكنها لم تحتمل فكرة فراقه أيضًا.
نظر إليها بعينين تحملان الحب والخير، ثم قال بصوت ضعيف:
"احذري من الناس بعد رحيلي. لا تثقي بأحد، فبعض من تظنينه صديقًا وقت الرخاء، قد يكون خنجرًا في الظهر عند الشدة. ومن يستبدّ بك أو يجور عليك، فهو طمّاع لا يعرف الرحمة. هناك رجل يدعى منصور، كان شريكي منذ زمن، وقد وضع عينيه على الورشة منذ مدة طويلة. قد يحاول أن يسلبها منك بأي وسيلة، فاعلمي أني لا أدين لأحد، وكل ما أملك هو لك وحدك."
لم تصل النصيحة في وقتها، فقد جاء الخطر أسرع مما توقّعت. وبعد أيام، أسدل الموت ستاره على حسن، فكفكفت ياسمين دموعها وهي تودّع الأب الوحيد الذي كان لها كل شيء. بكت بحرقة، حتى جفّت دموعها، لكن الحزن لم يغيّر شيئًا من الواقع.
لم يمضِ وقت طويل حتى جاء منصور، شريك والدها في الورشة، ليعلن بكل وقاحة أن كل شيء بات تحت سلطته. وما إن وقعت عيناه عليها، حتى قال بنبرة خبيثة تخالطها سخرية:
"أوه يا ياسمين، كم أنتِ فتاة مسكينة! الآن أصبحت يتيمة بلا معيل، والعالم قاسٍ يا ابنتي."
ثم تابع قائلًا:
"لا يمكن لفتاة مثلك أن تدير ورشة نجارة، لكن هناك حلّ! تزوجي من سمير، فهو شاب قادر على إعالتك."
سمير؟! ذلك الشاب الذي لا يعرف سوى التبذير واللهو؟ لم يكن أمام ياسمين سوى الرفض، لأن الموافقة تعني ضياعها بالكامل، وضياع إرث والدها.
رفعت رأسها بثبات وقالت:
"وهل الزواج مسألة ترف، يا منصور؟! إن كنتَ تظنّ أنني سأبيع نفسي، فأنت واهم!"
ضحك منصور بسخرية، واقترب منها قائلًا:
"أوه، ياسمين! أنتِ مجرد فتاة لا يشتري أحد منك شيئًا، وحدك لن تستطيعي الصمود. إن لم توافقي طوعًا، فسأجبرك."
تدافعت الأفكار في رأس ياسمين، وقلبها يخفق بقوة. لم يكن أمامها سوى خيار واحد… الهروب!
وفي صباح يوم غائم، بينما كان السوق يعجُّ بالناس، أغلقت ياسمين الورشة مبكرًا وتوجَّهت بسرعة إلى منزل أحد الجيران الطيبين، ذلك الرجل الذي لطالما رغب في شراء الورشة والمنزل لتوسيع مسكنه. أخبرته برغبتها في إتمام البيع على الفور ودون تأخير. كان الجار رجلًا نبيلاً، أدرك أنها في مأزق، فلم يساومها كثيرًا. وبسرعة، توجها معًا إلى القاضي وتمت الصفقة.
تسلَّمت ياسمين المال في سرَّة كبيرة، ثم سارعت عائدةً إلى منزلها، حيث جهَّزت كل شيء للهروب. وضعت النقود وبعض الملابس في كيس صغير، وارتدت ملابس والدها القديمة، ثم قصَّت شعرها الطويل حتى أصبح قصيرًا كشعر الشباب، وربطته بإحكام أسفل عمامة قديمة. نظرت إلى انعكاسها في المرآة، فلم تعد الفتاة الرقيقة ياسمين، بل شابٌ متمرِّد يستعد للهروب من حياة لم يعد له فيها مكان.
حملت أغراضها وخرجت بسرعة، تتسلل عبر الأزقة المظلمة متجهةً نحو الميناء، حيث كانت السفن التجارية تستعد للرحيل. وعند وصولها إلى هناك، توقفت للحظة تحدِّق في البحر المتلاطم أمامها، وشعرت بمزيج من الخوف والأمل. لم يكن لديها خيار آخر. نجحت ياسمين في التسلل إلى سفينة، وهي تعلم أن البحَّارة لن يرحبوا بها إن اكتشفوا أنها مجرد فتاة، بل وربما يُلقون بها في البحر، لكنها خطَّطت لكل شيء.
وبمجرد أن صعدت، اتجهت إلى قوارب النجاة، حيث أخفت صندوقها بعناية داخل أحد القوارب، ثم زحفت تحته متواريةً عن الأنظار. غطَّت نفسها بغطاء سميك، وبالفعل نامت لساعات، لكن نومها لم يكن هادئًا تمامًا، إذ استيقظت مرات عديدة على أصوات لم تعتد سماعها. حبست أنفاسها وحاولت تفسير ما تسمع، حتى ميَّزت حديث رجلين؛ كان أحدهما يتحدث إلى الآخر، الذي بدا أنه مساعده.
قال المساعد بصوت خافت: "يا ربان، لديَّ شعور غريب بشأن هذه الرحلة."
ردَّ الربان بصوت منخفض، واضعًا يده على كتف مساعده: "اسمعني جيدًا يا صديقي، السلطان وضع أمانة عظيمة في عنقي، ولا بد أن تعلم أن سفينتنا لا تحمل البضائع التجارية فقط إلى مملكة النخيل؛ الأميرة نور الهدى، ابنة السلطان، معنا على متن السفينة!"
دُهش المساعد وقال متعجبًا: "الأميرة نور الهدى؟ ولماذا تسافر سرًا هكذا؟"
تنهد الربان ثم قال بصوت يهمس بسر خطير: "لا أعرف التفاصيل، لكنني علمت أن السلطان تلقى تهديدات خطيرة، وهناك من يسعى لمنع هذه الزيجة بأي ثمن. زواج الأميرة من ولي عهد مملكة النخيل سيعني توحيد المملكتين، ويبدو أن هناك من لا يريد لهذا التحالف أن يتم. لم أكن أريد إخبارك بذلك، لكنني بحاجة إلى مساعدتك في تأمين الأميرة وضمان سلامتها حتى تصل إلى خطيبها."
استمر الحديث بين الربان ومساعده، فيما كانت ياسمين في مخبئها تستمع لكل كلمة، محاولةً استيعاب السر العظيم الذي كشفته لها المصادفة. لم تكن تتوقع أن رحلتها على متن السفينة ستبدأ بهذا الكم من الأحداث الغامضة. وجود الأميرة نور الهدى يزيد من تعقيد الأمور، وقد يجعل السفينة هدفًا لمن يريدون إفشال هذا الزواج. لكنها لم تكن تملك وقتًا طويلًا للتفكير؛ كان عليها أن تضمن استمرار اختفائها، فلا مجال لكشف حقيقتها الآن.
ومع أول خيوط الفجر، وبعد أن تأكدت أن السفينة قد غادرت الميناء وأصبحت في عرض البحر، تسللت بحذر من مخبئها. خرجت من قارب النجاة ببطء، وتحركت بخفة بين الصناديق والأخشاب المتناثرة على سطح السفينة. كانت السفينة تعجُّ بالحركة، والبحارة منشغلون بأعمالهم، مما أعطاها فرصةً للاندماج بينهم دون أن تثير الشبهات. كانت ترتدي ملابس والدها الفضفاضة، والتي جعلتها تبدو كصبي صغير. ربطت وشاحًا حول رأسها ليخفي ملامحها الأنثوية، لكن سرعان ما لاحظ أحد البحارة وجودها، فتوقف عن عمله وحدَّق فيها، ثم قال:
"من أنت أيها الشاب؟ لم أرك بيننا من قبل!"
ردت ياسمين، محاولةً جعل نبرتها تبدو أكثر خشونة حتى لا يثير صوتها أي شكوك: "أنا ياسر، كنت أبحث عن عمل في الميناء، وسمعت أنكم بحاجة إلى بحارة، فتسللت إلى السفينة قبل أن تبحر. يمكنني العمل بجد، وأعدكم أنني لن أسبب أي مشاكل."
تبادل البحارة النظرات، ثم انفجر أحدهم بالضحك، فيما نظر إليها الآخرون بشيء من التسلية. قال أحدهم: "يبدو أنك مجرد فتى نحيل، ولكن لا بأس! ابدأ بتنظيف السطح وإزالة أي ماء متجمع؛ فوجود الماء قد يسبب انزلاق العمال."
لم يكن أمام ياسمين سوى الانصياع، فأومأت برأسها وبدأت العمل على الفور. كانت تحمل الصناديق، وتنظف السطح، وتتكيف مع الحياة البحرية الصعبة. كان العمل مرهقًا، ولكن رغم التعب، شعرت بالارتياح لأن أحدًا لم يشك في أمرها حتى الآن. وعندما حل المساء، كانت تتسلل عائدةً إلى قارب النجاة، حيث تختبئ هناك بعيدًا عن أعين البحارة، تستريح قليلًا، وتحاول استعادة طاقتها ليوم جديد.
مرَّ يومان نجحت فيهما ياسمين في الحفاظ على سرها، ولكن في اليوم الثالث، وبينما كانت تؤدي عملها، لاحظت شيئًا لفت انتباهها. في الجزء الداخلي من السفينة، كان هناك غرفة كبيرة يحرسها رجلان قويان لا يغادران مكانهما أبدًا. لم يكن هناك شك في أن هذه غرفة الأميرة نور الهدى. أثارت الفكرة فضول ياسمين، خاصة بعد حديث الربان مع مساعده عن أهمية هذه الرحلة السرية.
وفي الليلة الثالثة، بعد أن هدأت الحركة على السفينة، وقبل أن تعود إلى مخبئها المعتاد، قررت أن تسترق السمع. تحركت بحذر نحو ركن قريب من باب الغرفة، متصنعةً أنها تتأكد من نظافة المكان، وأمالت رأسها قليلًا محاولةً سماع أي شيء يجري بالداخل. سمعت صوت فتاة تتحدث، بدا صوتها رقيقًا، وكانت تخاطب شخصًا آخر. وسرعان ما أدركت ياسمين أن الأميرة ليست وحدها، بل ترافقها وصيفة واحدة تعمل على إعداد الطعام لها والعناية بها. لكنها لم تحصل على وقت كافٍ للتفكير فيما سمعت، فقد حدث ما لم يكن في الحسبان!
اهتزت السفينة فجأةً، وكأن شيئًا هائلًا ضربها! ارتجت أرضيتها تحت أقدام البحارة، وانطلق جرس الإنذار يدوي في الأرجاء. تحوَّل الهدوء الليلي إلى حالة من الفوضى والصياح. وقفت ياسمين في مكانها، تشعر بقلبها ينبض بعنف، لم تكن تعلم ما الذي يحدث، ولكن شيئًا واحدًا كان مؤكدًا؛ هذه الرحلة ستصبح أكثر خطورة مما توقعت!
ركض البحارة في كل اتجاه، وبدأت السفينة تتمايل بعنف تحت وطأة الهجوم. شعرت ياسمين بارتباك شديد، لم تكن تعرف كيف تتصرف في مثل هذه اللحظات العصيبة، لكن سرعان ما استجمعت شجاعتها، وتسلحت بشخصيتها القوية، ثم اندفعت إلى سطح السفينة بسرعة. وما إن وصلت، حتى عرفت الحقيقة؛ في الأفق، كانت هناك سفينة ضخمة سوداء تقترب بسرعة، وترفرف فوقها راية سوداء، وعلى متنها عشرات الرجال المسلحين بالسيوف والخناجر!
لم تكتمل الفكرة في عقلها، إلا عندما دوَّى صوت الربان بأعلى صوته محذرًا الجميع: "نتعرض للهجوم! إنهم القراصنة! استعدوا للدفاع عن السفينة!"
لكن الدفاع لم يكن سهلًا، إذ تحرّك القراصنة بسرعة وباحترافية، استخدموا الحبال والسلالم، وفي ثوانٍ معدودة كانوا قد قفزوا على سطح السفينة، وبدأت المعركة العنيفة بين البحارة والقراصنة. كانت المواجهة غير متكافئة، فقد بدا واضحًا أن القراصنة لهم اليد العليا. توقفت ياسمين في مكانها تنظر إلى الفوضى التي عمّت السفينة، لكنها سرعان ما استعادت تركيزها وأدركت أن حياتها في خطر. لكن الأميرة نور الهدى في خطر أكبر، فإن وقعت في أيدي القراصنة، فستكون أسيرة ثمينة، ولن يكون هناك مفرّ من الكارثة.
ودون تفكير، ركضت ياسمين بأقصى سرعتها نحو غرفة الأميرة. كان الحارسان اللذان كانا يحرسان الباب قد تركا موقعهما للانضمام إلى القتال على السطح. لم تتردد ياسمين، دفعت الباب بقوة واقتحمت الغرفة، لتجد الأميرة والوصيفة في حالة من الذعر الشديد. قالت الأميرة: "من أنتِ؟ وماذا تريدين؟" لم يكن هناك وقت للشرح، فخلعت ياسمين عمامتها بسرعة ليظهر وجهها الجميل، وقالت: "لا وقت لدينا، يجب أن نهرب قبل أن يصل القراصنة إليكما!" بدت الأميرة مذهولة، لم تكن تتوقع أن الفتى الذي رأته أمامها ما هو إلا فتاة متنكرة، فسألتها: "أنتِ فتاة؟ من أنتِ؟ وأين يمكننا الهروب؟ نحن في عرض البحر!"
لكن ياسمين لم يكن لديها وقت للكلام، فاقتربت من الأميرة وقالت: "اسمعيني جيدًا يا مولاتي، أنا لا أقصد الهروب من المكان، ولكن عليكِ الفرار من هويتك كأميرة السلطان. إن لم تفعلي ما أقول، فسيتم أسركِ. عليكِ أن ترتدي ملابس وصيفتكِ، وسأرتدي أنا ثيابكِ، ومهما حدث، عليكِ الثبات على القول بأنني أنا الأميرة!" بدت الأميرة مترددة، لكن نظرات ياسمين أقنعتها بأن الأمر لم يكن مجرد خطة جنونية، بل فرصتها الوحيدة للنجاة. تحرّكت بسرعة وخلعت ثوبها الملكي المطرّز، فيما ارتدت ياسمين ملابس الأميرة، ووضعت التاج فوق حجابها الحريري. لم تكن تبدو تمامًا كالأميرة نور الهدى، لكنها كانت واثقة من أن القراصنة لم يروا الأميرة من قبل، وكان هذا هو مفتاح نجاح الخدعة.
وما هي إلا لحظات حتى دوّى صوت خطوات ثقيلة تقترب بسرعة، ثم انفتح الباب بعنف. وقف زعيم القراصنة أمامها، كان رجلًا ضخم الجثة، ذو لحية كثيفة وندبة عميقة تمتد على جانب وجهه، عيناه القاتمتان تلمعان بسعادة شريرة وهو يحدّق في ياسمين، التي جلست بثبات على الكرسي، تحاول تقمّص دور الأميرة بكل ما أوتيت من ثقة. ابتسم القرصان ابتسامة ماكرة وقال بسخرية: "إذًا، هذه هي الأميرة نور الهدى! ستكونين كنزًا ثمينًا لنا!" وفي الخلف، بدت الوصيفة مرتبكة بشدّة، أما الأميرة الحقيقية فخفضت رأسها تحاول إخفاء توترها. أما ياسمين فقد تماسكت، ونظرت إلى القرصان نظرة تملؤها الجرأة، ثم قالت بثقة: "إذًا، أنت تعلم من أكون!"
ابتسم القرصان وقال: "وهل يُخفى القمر يا مولاتي؟ لقد حصلتُ على أموال كثيرة في سبيل منعكِ من الوصول إلى مملكة النخيل، والآن حان موعد موتكِ!" وقفت ياسمين ببطء، متظاهرة بالهدوء التام، نظرت إليه ثم قالت: "وقد أديتَ مهمتكَ على أكمل وجه، ولكنك غبي!" ارتفع حاجب القرصان بدهشة، لكنه لم يقاطعها. أكملت قائلة: "إذا كانت حفنة من الذهب وتاج الأميرة وبعض البضائع الرخيصة هي كل ما أتيتَ من أجله، فهذا يثبت أنك مجرد شخص محدود الذكاء! أنت لا تدرك قيمة ما حصلتَ عليه، أيها القرصان! إن كنتَ تريد قتلي، فها أنا أمامك، ولكنك ستكون أحمق، لأنك ستقتل الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يجعلك أغنى الأغنياء!"
ضحك القرصان، وقد بدا مستمتعًا بكلماتها، ثم قال وهو يميل برأسه قليلًا: "لا يروقني هذا الكلام، أيتها الأميرة الصغيرة، ولكن أعجبني ما قلتِه عن أن أكون أغنى الأغنياء، ماذا تقصدين بذلك؟" تبسمت ياسمين وقد أدركت أنها نجحت في جره إلى المصيدة التي أعدتها له، ثم قالت: "إن كنتَ تريد حقًا الثراء والغنى، فعليك الحفاظ على حياتي. هل تعلم حجم الفدية التي قد يدفعها والدي السلطان من أجلي؟ وهل تتصور مقدار الذهب الذي قد يرسله ولي عهد مملكة النخيل لاستعادة خطيبته؟ عليكَ أن تتصرف بذكاء وحرص. إن احتجزتني رهينة، فسيقوم السلطان بإرسال الذهب لإنقاذي، وإذا أرسلتَ وصيفتي مع هذا التاج إلى والدي، فستخبره بأنني ما زلت على قيد الحياة. وحينها سيرى أنكم جادّون في إعادتي مقابل الفدية، وسوف يرسل لكم ما تطلبونه بسرعة حفاظًا على حياتي!"
صمت القرصان للحظة، وكأنه بدأ يفكر فيما قالت. لمعت عيناه ببريق الطمع، لكنه ظل صامتًا، مما شجع ياسمين على استكمال خطتها، وقالت: "كما يمكنكَ إرسال ربان هذه السفينة إلى مملكة النخيل، وهناك سيخبر ولي العهد بأنكَ قد احتجزتني أسيرة، وأنك لن تطلق سراحي إلا في مقابل فدية معتبرة من الذهب. وبذلك ستكون قد حصلتَ على ما يضمن حياتكَ ومستقبلكَ ومستقبل طاقم سفينتك!" تأمل القرصان كلماتها مليًا، واضعًا يده على ذقنه، ثم قال بعد لحظات من التفكير: "اقتراح مثير للاهتمام! سأفكر في الأمر!"
ثم استدار وخرج من الغرفة متوجهًا إلى سطح السفينة، حيث بدأ رجاله في نقل كل البضائع إلى سفينتهم. وقف يراقبهم بصمت، فيما كانت الأفكار تدور في رأسه. لقد كانت الغنيمة التي حصل عليها من هذه السرقة كبيرة، لكنها لا تعادل معشار ما قد يحصل عليه إن ساوم السلطان وولي العهد على استعادة الأميرة. ابتسم أخيرًا، ثم قال بصوت منخفض، كأنه يحدث نفسه: "حسنًا، سنفعل ما تقولين، أيتها الأميرة!"
وعلى الفور، أمر زعيم القراصنة بإطلاق سراح الوصيفة، ومعها تاج الأميرة، وأعطى مساعد الربان قاربًا صغيرًا مناسبًا للعودة إلى السلطان. وقبل أن يبحر، سلّمه رسالة يحدد فيها مقدار الفدية المطلوبة، إلى جانب خريطة تشير إلى جزيرة صغيرة نائية حيث سيتم التبادل بعد خمسة أيام، وهي المهلة التي حسبها القرصان كافية لإعداد الفدية وجمع الذهب المطلوب. وفي الوقت ذاته، أرسل الربان الآخر إلى مملكة النخيل ليطلب فدية مماثلة من ولي العهد. وهكذا، عادت الأميرة الحقيقية إلى السلطان برفقة مساعد الربان، الذي أخبره بكل ما جرى، وعن تلك الفتاة المجهولة التي افتدته بشجاعة.
جلس السلطان يفكر مليًا في الأمر، ثم قرر ألا يترك هذه الفتاة لمصير مجهول، فأصدر أمرًا بإرسال قوات خاصة لملاحقة القراصنة والقبض عليهم في أقرب وقت ممكن، مع التأكيد على محاولة الحفاظ على سلامة الفتاة الغريبة التي أنقذت الأميرة.
وفي الوقت ذاته، وصل ربان السفينة إلى مملكة النخيل، حيث التقى ولي العهد وأخبره بكل التفاصيل. كان ولي العهد منبهرًا بشجاعة الفتاة المجهولة وكيف ضحَّت بنفسها لإنقاذ الأميرة، فقرر أن يقود بنفسه حملة عسكرية لإنقاذها.
مرت الأيام الخمسة سريعًا، وجاء الموعد المحدد للقاء في الجزيرة النائية. نزلت قوات السلطان وولي العهد إلى شاطئ الجزيرة يحملون صناديق ضخمة مغلقة، ظاهرها ممتلئ بالذهب، ولكن الحقيقة كانت مختلفة تمامًا. عندما ظهر زعيم القراصنة، حاول المماطلة والتهرب متحدثًا بأسلوب ماكر ليكسب مزيدًا من الوقت، ولكن نظرة واحدة من ولي العهد كانت كافية ليعلم أن هناك خدعة قد حيكت للفتاة الشجاعة. لم يكن هناك وقت للانتظار، وبإشارة حاسمة منه انفتحت الصناديق الكبيرة ليخرج منها جنود المملكة مدججون بالسلاح، فانقضوا بسرعة على القراصنة مباغتين إياهم في لحظة لم يكونوا مستعدين لها. وخلال دقائق، تمكنوا من تحرير باقي طاقم السفينة والقبض على جميع القراصنة.
وعند استجواب زعيم القراصنة عن الفتاة التي احتجزوها، كانت إجابته غير متوقعة، إذ قال بغضب واضح إنهم في صباح اليوم الثالث اكتشفوا اختفاء أحد قوارب النجاة التي كانت على متن السفينة التجارية، وعلموا أن الأميرة التي احتجزوها قد نجحت في فك قيودها والهروب إلى البحر.
وفي عرض البحر، كانت ياسمين تشق الأمواج وحيدة في رحلتها الخاصة نحو المجهول، على متن قارب نجاة صغير، وبجوارها صندوق وضعت فيه كل أموالها وملابسها ومتعلقاتها، متجهة نحو مغامرات جديدة وتحديات غير متوقعة. قطعت أيامًا طويلة في البحر، تواجه الأمواج العاتية والجوع والتعب، لكن إرادتها لم تضعف لحظة واحدة. وفي صباح اليوم الرابع من رحلتها في البحر، لمعت عينا ياسمين حين لاحظت اليابسة تلوح في الأفق. كانت الشواطئ المترامية مليئة بأشجار النخيل الوارفة، وعرفت فورًا أنها وصلت إلى مملكة النخيل، تلك المملكة القوية الثرية التي أنقذت منذ أيام قليلة مخطوبة ولي عهدها.
سمعت الكثير عن هذه المملكة وعن ثرائها وجمالها، حيث تمتد البساتين على مدِّ البصر، وتحيط بها الأسواق العامرة بالحرفيين والتجار، وتعج طرقاتها بالحياة والنشاط. وبجهد كبير، تمكنت من توجيه قاربها الصغير نحو الميناء، لكن الإرهاق كان ينهش جسدها المنهك. لمحت رجلًا عجوزًا يستعد للخروج إلى البحر، لكنه ما إن رآها حتى أسرع نحوها ليقدم المساعدة. مدَّ يده وساعدها على النزول، ثم أعطاها الماء. نظرت إليه بامتنان وقالت بصوت متعب:
أشكرك أيها العم، لقد أتيت من رحلة طويلة وأحتاج إلى مكان أستقر فيه، هل تعرف أين يمكنني استئجار غرفة؟
ابتسم الرجل وقال لها:
كيف قمتِ بهذه الرحلة الطويلة يا ابنتي؟ كيف لفتاة صغيرة جميلة مثلك أن تعبر البحر وحدها؟ لا بد أن وراءكِ قصة طويلة.
شعرت ياسمين بالتعب والإرهاق والتوتر، لكنها وجدت في ابتسامته الطيبة ما يطمئنها. وكأنه قرأ أفكارها، فقال بلطف:
لا تخافي مني يا ابنتي، أنا عمك شاكر، صياد بسيط يعيش هنا منذ سنوات. يمكنك أن تحكي لي قصتك، وسوف أساعدك قدر استطاعتي، فإن مظهرك يوحي بالقوة.
شعرت ياسمين بالراحة، فالرجل بدا نقي القلب، لا يحمل في ملامحه سوى الطيبة والصدق. رافقته إلى منزله الصغير قرب الميناء، وهناك قدَّم لها الطعام والشراب، ثم جلس يصغي إليها باهتمام بينما تحكي قصتها وهروبها، وكيف جاءت إلى هذه المملكة بحثًا عن الأمان والسلام.
وبعد أن استمع إليها، أبدى إعجابه بشجاعتها، ثم قال:
إن كنتِ ترغبين في بناء حياة جديدة هنا، فأنصحكِ بالذهاب إلى السوق الكبير. هناك ستجدين منازل صغيرة للإيجار بالقرب من الورش والحوانيت. النجارة التي تعلمتها من والدكِ مهنة مربحة هنا.
أضاءت عينا ياسمين بسعادة عندما سمعت كلمة "النجارة"، فهي مهنتها، وهي الشيء الوحيد الذي تتقنه جيدًا، وكان هذا كفيلًا بأن يشعل في داخلها أملًا جديدًا. شكرته بامتنان، لكنه أصرَّ على أن يرافقها إلى أحد الخانات، حيث وفر لها مكانًا مريحًا ونظيفًا للمبيت، موصيًا صاحب الخان بها خيرًا. وهناك قضت ياسمين ليلتها بسلام، استبدلت ملابسها، وسمحت لجسدها المنهك بالراحة بعد كل ما مرت به.
وفي صباح اليوم التالي، وبعد تناول الفطور، خرجت إلى طرقات المملكة تتأمل الأبنية الحجرية، وأصوات التجار الذين ينادون على بضائعهم. شعرت وكأنها دخلت عالمًا جديدًا يختلف عن كل ما عرفته من قبل. وخلال أيام قليلة، تمكنت من الاندماج في هذا المجتمع الجديد، وتعرفت على المدينة وأسواقها، وعثرت على دكان صغير قرب السوق، قررت أن تحوله إلى ورشة نجارة ليكون بداية جديدة لحياتها في مملكة النخيل.
استخدمت ياسمين جزءًا كبيرًا من أموالها لشراء الأدوات والخشب والمعدات اللازمة، وبدأت العمل بمفردها، متذكرة نصائح والدها الراحل في كل خطوة تخطوها. كانت تصنع الأبواب والنوافذ وبعض قطع الأثاث، وسرعان ما بدأ الناس يسمعون عن النجار الشابة التي تدير ورشتها بمهارة. وخلال أيام قليلة، بدأ الزبائن يتوافدون لرؤية أعمالها وطلب خدماتها.
لكن لم يكن الجميع يرحب بوجود فتاة شابة تدير ورشة نجارة وحدها، فهناك من لم يتقبل الفكرة، وكان أكثرهم عداءً لها جلال، تاجر الأخشاب الذي يرى في نجاحها تهديدًا لمصالحه.
اقترب منها ذات يوم ووقف عند باب الورشة وهو يتأملها بنظرات مريبة، ثم قال بصوت يحمل نبرة خفية من التهديد:
هذه مهنة تحتاج إلى يد قوية، لماذا لا تبيعين الورشة ونتشارك؟ وإن كنتِ مصرة على العمل، فيمكنكِ الانضمام إليَّ، فتكبر تجارتنا ويكون لكِ نصيب مضمون، وترتاحين من عناء الإدارة.
لكن ياسمين لم تكن فتاة يسهل التأثير عليها، فردت عليه قائلة بحزم:
أنا قوية بما يكفي، ولا أرغب في الشراكة، شكرًا لك على النصيحة، لكن ورشتي ستبقى لي.
نظر إليها جلال نظرة غامضة وكأنه يخبئ شيئًا في جعبته، ثم غادر دون أن ينطق بكلمة أخرى...
احترمجلال قرارها، لكنه لم يُخفِ حزنه. نظر إليها بابتسامة هادئة وقال: "لن أضغط عليكِ، ولكنني سأكون هنا دائمًا إذا غيرتِ رأيك." ثم استدار وغادر المكان، تاركًا ياسمين غارقة في أفكارها.
مرت أيام قليلة، ثم ضجّت مملكة النخيل بأخبار مفاجئة: ولي العهد سيتزوج من الأميرة نور الهدى، وسيُقام الاحتفال في غضون شهر واحد. كانت الأخبار مثيرة للجميع، ولكن أكثر ما فاجأ ياسمين هو زيارة رئيس الحرفيين، حيث أخبرها: "لقد تم اختياركِ لصنع الأثاث الخاص بزفاف ولي العهد والأميرة نور الهدى. إن مهارتكِ في النجارة أصبحت مشهورة في المملكة، وولي العهد يريد أن يكون أثاث عروسه من صنع يديكِ."
ارتبكت ياسمين قليلًا، لكنها شعرت بالفخر، فوافقت على المهمة وبدأت العمل بجد، صانعةً أجمل القطع الخشبية المنحوتة بدقة. وذات يوم، بينما كانت تعمل على الأثاث، طُلِب منها الحضور إلى القصر لمقابلة ولي العهد والتأكد من تفاصيل العمل. وعندما دخلت القاعة الملكية، رأت ولي العهد جالسًا على عرشه، شابًا ذو ملامح قوية، تبدو عليه الحكمة والبصيرة. نظر إليها بإعجاب، ثم قال:
"أأنتِ الحرفية الماهرة التي يتحدث عنها الجميع؟ سمعتُ أنكِ صنعتِ أثاثًا يضاهي أعمال أمهر النجارين."
أجابت بتواضع: "أحاول أن أقدم الأفضل، يا سيدي."
ابتسم ولي العهد وقال: "حسنًا، أريد منكِ صنع شيء آخر، أريد نصبًا تذكاريًا، وأريد إضافة قصة وحكاية بطريقة بارزة على الخشب ليكون رمزًا في ساحة المدينة."
تعجبت ياسمين، لكنها أطرقت برأسها تفكر، بينما واصل ولي العهد حديثه:
"منذ فترة غير بعيدة، تعرّضت مخطوبتي للقراصنة، ولولا مهارة وذكاء فتاة مجهولة لما تمت هذه الزيجة. سأقصّ عليكِ الحكاية، وأريد تخليدها على القطعة التي ستعملين عليها."
شعرت ياسمين بارتباك شديد، لكنها لم تُرد أن تقول شيئًا، فالتزمت الصمت، بينما راح ولي العهد يحكي ما حدث، وما عرفه من الأميرة ومن رُبّان السفينة. وأخيرًا، ختم كلامه قائلًا:
"ومنذ ذلك الوقت، وأنا أرغب بشدة في التعرف على تلك الفتاة، وربما أجعلها مستشارة لي. كما أنني قد وضعت جائزة كبرى لمن يعثر عليها، فهي تستحق التكريم."
شعرت ياسمين باضطراب في قلبها، لكنها تمالكت نفسها، وابتسمت قائلة: "إنها فتاة محظوظة باهتمامك بها، وأتمنى أن تجدها قريبًا."
وأخيرًا، حل يوم الزفاف الملكي المنتظر. تزينت مملكة النخيل بأجمل الزخارف، وأُضيئت الشوارع بالفوانيس التي تلألأت كنجوم الأرض. احتشد الناس في الساحات والأزقة لمشاهدة موكب الزفاف العظيم، حيث كانت الفرحة تعم المملكة بأكملها.
وقبل أن تصل الأميرة إلى القصر، أصر ولي العهد على أن يذهبا أولًا إلى النصب التذكاري، الذي خُلِّد عليه قصة نجاتها من القراصنة، ليكون شاهدًا على الحادثة التي كادت تفرق بين المملكتين، لولا تدخل فتاة شجاعة مجهولة.
تقدمت الأميرة في موكب مهيب، يحيط بها الحرس الملكي والوصيفات ورجال الدولة، حتى اقتربت من الساحة التي يقف فيها الحرفيون وأصحاب الصناعات، ومن بينهم ياسمين، التي كانت واقفة مع بقية النجارين، تتأمل تفاصيل الحكاية المنحوتة على الخشب بمهارة فائقة.
وما إن وقعت عينا الأميرة على ياسمين، حتى لمعت عيناها بدهشة. توقف الموكب في لحظة، قبل أن تصرخ الأميرة بصوت حمل الفرح والذهول:
"إنها هي! إنها الفتاة التي أنقذتني!"
وفي لحظة واحدة، التفت الجميع نحو ياسمين، التي شعرت بأن سرها قد كُشف أخيرًا. لم تتوقع أن تتعرف عليها الأميرة بهذه السرعة، ولم تجد كلمات تقولها.
أسرعت الوصيفة الخاصة بالأميرة نحوها، وقالت بصوت مرتجف من التأثر: "إنها هي! لا يمكنني أن أخطئ في ملامحها، مهما مر الزمن. لم أنسَ وجهها أبدًا!"
وقف ولي العهد ينظر إلى ياسمين بدهشة، وكأنه يحاول استيعاب الحقيقة التي ظهرت فجأة أمامه، ثم قال بذهول:
"أهذه حقيقة؟! هل أنتِ الفتاة التي كنا نبحث عنها طوال هذا الوقت؟!"
وقبل أن تتمكن ياسمين من الحديث، تقدم جلال وقال بفخر:
"أنا لا أستغرب هذا، يا مولاي! إنها الفتاة الشجاعة التي أوقعت بعصابة من قطاع الطرق! إنها أذكى فتاة عرفتها في حياتي!"
ثم تقدم العم شاكر، الذي كان حاضرًا بين الحشد، وقال:
"إنها فتاة عظيمة! لقد وصلت إلى المملكة في قارب صغير، وكنتُ أول من استقبلها. عرفتُ قصتها منذ البداية، لقد هربت من مدينتها بعدما حاول رجل طمّاع يُدعى منصور الاستيلاء على ميراثها. وعندما وصلت إلى هنا، بنت حياتها بيديها، دون أن تطلب العون من أحد."
عمّ الذهول والإعجاب بين الحضور، ووقف ولي العهد صامتًا للحظات، ثم ابتسم وقال بصوت يحمل الاحترام والإجلال:
"ياسمين، لقد أثبتِ أنكِ فتاة نادرة، ولولاكِ لما كانت خطيبتي هنا اليوم. أنا مدين لكِ بالشكر والاحترام."
ثم التفت إلى الجميع وأعلن بلهجة ملكية حازمة:
"من اليوم، ستصبح ياسمين واحدة من المقربين إلى القصر، ومستشارة خاصة، فأنا أريد أن أعرف قصتها كلها!"
وبعد أيام من انتهاء الاحتفالات العظيمة، جاء جلال مرة أخرى إلى ورشة ياسمين، ولكن هذه المرة كانت عيناه تلمعان بالأمل. وقف أمامها وقال بابتسامة تحمل في طياتها مشاعر صادقة لم يعد قادرًا على إخفائها:
"والآن، بعدما أصبح الجميع يعرف الحقيقة، وبعدما أصبحتِ من أهل القصر، هل ما زلتِ تظنين أنكِ غير مستعدة للزواج؟"
نظرت إليه ياسمين، لكنها شعرت هذه المرة أن قلبها ينبض بإحساس جديد، لم تجربه منذ سنين. ابتسمت أخيرًا، وقالت بصوت هادئ لكنه واثق:
"ربما كنتُ مخطئة... ربما حان الوقت لأثق بأحدهم."
ثم مدت يدها إليه قائلة: "نعم يا جلال أوافق على طلبك."
وهكذا، تزوجت ياسمين من جلال ، وأصبحا شريكين في الحب والعمل، وواصلت حياتها بالسعادة والهناء، بعدما تحولت من فتاة مشردة تبحث عن الأمان إلى امرأة قوية تحظى باحترام الجميع، واسمها يسطع في كل أرجاء مملكة النخيل.
انتهت الحكاية
Commentaires
Enregistrer un commentaire