جمع الوالدُ أولادَه الذكورَ ودعاهم إلى اجتماعٍ مصغَّرٍ، وقال لهم:

الأب: كما تعلمون، أملكُ الكثيرَ من الأموالِ والعقاراتِ والشركاتِ، ولقد جمعتُكم اليوم لأنني أشعرُ باقترابِ أجلي، ولذلك أريد أن أوزعَ التركةَ بينكم قبل موتي.
الولد الكبير: بعد عمرٍ طويلٍ يا أبي.
الولد الصغير: ولماذا لم تستدعِ أختَنا؟
الأب: ولماذا أستدعيها؟

الولد الصغير: أنت تقول إنك تريد أن توزعَ الأموالَ بيننا، ولا أراك قد استدعيتَ سوى أنا وأخي الكبير، ولم تستدعِ أختَنا الوحيدةَ حنان.
الأب: أنا لا أريد أن أعطيَ حنانَ شيئًا.
الولد الكبير: أحسنتَ يا أبي.
الولد الصغير: ولماذا يا أبي؟
الأب: كما تعلمون، فإن أختَكم حنان متزوجةٌ من رجلٍ غريبٍ، وإنْ أعطيتُها شيئًا سيأخذه منها زوجُها، وأنا لا أريد أن يكونَ زوجُها شريكًا لكم مطلقًا.
الولد الكبير: نعمَ الرأيُ يا أبي. وأضف إلى ذلك أن زوجَ حنان يتحيَّنُ الفرصةَ ليصبحَ شريكًا لنا في التجارة، ويظنَّ عندها أنه صاحبُ الشركة، ويتحكَّم بها كيفما يشاء.
الأب: لذلك، أنا لن أعطيَ حنانَ درهمًا.
الولد الصغير: اتقِ اللهَ يا أبي، فإنك إنْ فعلتَ ذلك ستُكتبُ عند اللهِ ظالمًا، وتكونُ من أهلِ النارِ، والعياذُ بالله.
الأب (بغضب): من قال لك ذلك؟ بل إني أريد أن أحميَ أموالي وممتلكاتي من الضياع، ولا أريد لأحدٍ غريبٍ أن يدخل بينكم.
الولد الكبير: دَعْك من أخي الصغير يا أبي، فإنه ما زال جاهلًا.
الولد الصغير: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.

وفي هذه اللحظةِ، يدقُّ جرسُ الباب.
الأب (مشيرًا لولده الصغير): انظرْ مَنْ في الباب.
الولد الصغير: حاضرٌ يا أبي.
(يفتح الباب) إنه سالم المحامي يا أبي.
الأب: دَعْه يدخلْ، فإني قد استدعيتُه لهذا الاجتماعِ حتى يخبرَكم بالتفاصيل.
الأب: كيف حالُكَ يا سالم؟
سالم: أنا بخيرٍ يا سيدي، والحمدُ لله.
الأب: هل فعلتَ كلَّ ما قلتُه لك؟
سالم: نعم يا سيدي، لقد تمَّ كلُّ شيءٍ، ولم يَبْقَ إلا بعضُ التوقيعاتِ فقط.
الولد الصغير: أعذرني يا أبي، فإني لن أوقِّعَ على شيء، فإني بالحقيقةِ أشفقُ عليكَ من النارِ، وعلى أختي حنانَ من الظلم.
الأب (يصرخ بغضب): عُدْتَ للحديثِ عن النار، والآن أنت تنعتُني بالظالم! أخرجْ من بيتي! أنا لا أريدُك مطلقًا! هيا أخرج!
سالم: انتظرْ يا سيدي، وهَوِّنْ عليك، وأنا سأكلم ولدَك الصغير.
الولد الصغير: لا يا أخي سالم، فإني لا أقبلُ أن أشاركَ بهذا الظلمِ مطلقًا.
الأب: قلتُ لكَ أخرجْ من البيت! هيا أخرجْ!

وفي هذه اللحظةِ، يخرج الولدُ الصغيرُ من الاجتماعِ ومن البيت.
الأب: يا سالم، أريدُ منك أن تنقلَ كلَّ أموالي لولدي الكبير، ولا أريد أن أعطيَ الصغيرَ شيئًا. هل فهمتَ؟
سالم: حَسَنًا يا سيدي، كما تريد.

وبعد مرورِ عامٍ، حاول الولدُ الصغيرُ عدةَ مراتٍ أن يتواصلَ مع أبيه، ولكن الأبَ كان يرفضُ في كلِّ مرةٍ.
ثم ما لبث الأبُ ومرضَ مرضًا شديدًا.
الدكتور (مخاطبًا الأب): إن حالتكَ خطيرةٌ يا سيدي، وعليكَ الآن إجراءُ العملية، وإلا فلن نستطيعَ أن نساعدكَ مطلقًا.
الأب: سأكلِّمُ ولدي الكبير، ثم أجعله يحددُ وقتَ العمليةِ ويقومُ باللازم.
الدكتور: الرجاءُ أن يكونَ بأسرعِ وقتٍ.

(الأبُ وهو طريحُ الفراش)
الأب: أين ولدي الكبير؟ مرَّ يومانِ منذ أن طلبتُه ولم يأتِ بعد.
الخادم: إنني أحاولُ أن أكلمَه يا سيدي، ولكنه لا يجيبُ مطلقًا.
الأب: وما العملُ؟
الخادم: كلم المستشفى، واحجزْ لنفسكَ قبل فواتِ الأوان.
الأب (بغضب): ألا تعلم أنني قد أعطيتُ ولدي الكبيرَ كلَّ ما أملك، حتى هذا البيت؟
الخادم (باستغراب): ولم تُبقِ لنفسكَ شيئًا؟
الأب (بصرخة): نعم، لا شيء، لا شيء، لا شيء!

(وبعد مرورِ عدةِ أيام، اشتدَّ الوجعُ والألمُ على الأب، فقام الخادمُ من فوره بالاتصالِ بالولدِ الصغيرِ وأختهِ حنان).

(الخادم يتصل بالولد الصغير وأخته حنان)
الولد الصغير: فداكَ نفسي يا أبي.
حنان: أبي الحبيب، ماذا بك؟
الأب (يشعر بالندم): ولدي الصغير، سامحني. وأنتِ كذلك، بنيتي حنان، سامحيني.
الولد الصغير وحنان (وهما يبكيان): بل أنتَ سامحنا يا أبي، وحماكَ الله من كلِّ سوء.
حنان: لابد أن أتصلَ بالطبيب.
الولد الصغير: أين أخي الكبير؟
الأب: لقد هجرني بعد أن أخذَ كلَّ شيءٍ.
حنان: لقد اتصلتُ بالطبيبِ، وهو الآن سيقومُ بإرسالِ سيارةِ الإسعاف.
الخادم: لقد وصلتْ سيارةُ الإسعاف.
الولد الصغير: هيا بنا.

(ذهبوا جميعًا إلى المستشفى، وتمَّ إدخالُ الأبِ إلى قسمِ العنايةِ المركزة).
الممرِّض (مخاطبًا حنان وأخوها الصغير): الدكتورُ يريدُكم في مكتبه.
حنان: ماذا هناكَ يا دكتور؟
الدكتور: كما تعلمون، إن هذه العمليةَ مكلفةٌ جدًا، وأنا لا أستطيعُ إجراؤها قبل دفعِ ثمنها كاملًا؛ خمسون ألفَ دينارٍ، وأمامكم مهلةُ ساعتين فقط.

(خرج الولد الصغير مع أخته حنان من مكتب الطبيب والحزنُ والحسرةُ واضحةٌ عليهما).
الولد الصغير: من أين سنأتي بهذا المبلغِ الكبير؟
حنان: أنا لديَّ عشرةُ آلافِ دينار، هي كلُّ ما ادخرته في هذا العام.
حنان: وأنا سأبيعُ ذهبيَ كاملًا، وأعتقدُ أن ثمنَه عشرون ألفَ دينارٍ.
الخادم: وأنا قد ادخرتُ مبلغَ خمسةِ آلافِ دينارٍ. فيصبحُ لدينا خمسةً وثلاثين ألفًا.
الولد الصغير (مخاطبًا الخادم): وهل يعقلُ أن نأخذَ منك مالكَ الذي ادخرتَه من عرقِ جبينكَ؟
الخادم: لا تقلْ ذلك يا سيدي، فأنا ليس لي أهلٌ سواكم.
حنان: ومن أين نكملُ المبلغ؟
(يظهر زوجُ حنان فجأة)
زوج حنان: مني أنا، فأنا لستُ أقلَّ منكم، فنحن أهلٌ.

(توجهوا جميعًا إلى الطبيب ودفعوا المبلغ).
الولد الصغير: تفضَّلْ يا دكتور، هذه هي الخمسون ألفًا التي طلبتَها.
الدكتور: (مخاطبًا الممرضين): جهِّزوا لي غرفةَ العمليات فورًا.

مرَّ الوقتُ ببطءٍ شديدٍ، وجلسوا جميعًا ينتظرون انتهاءَ العملية. ثم خرج الطبيبُ متجهًا إليهم.
الطبيب: الحمدُ لله، لقد نجحتِ العملية.
حنان: متى نستطيعُ أن نرى أبي؟
الطبيب: إنه تحتَ تأثيرِ المخدر، ويحتاجُ إلى فترةٍ طويلةٍ قبل أن يفيق.
الولد الصغير: سوف نبقى بجانبه حتى يفيق.

(وبعد مرور الوقت، بدأ الأبُ بفتح عينيه تدريجيًا، ثم نظر، فإذا بالجميع قد حضروا حوله: الولد الصغير وحنان وزوجها والخادم والطبيب، إلا الولد الكبير).
الأب: ماذا حصلَ لي؟
الطبيب: لقد تمَّ إجراءُ العمليةِ لك يا سيدي.
الأب: ومن أين جئتم بثم(نِ العملية؟

الطبيب: من أهلكَ الواقفينَ حولكَ هنا. فكلٌّ منهم ساهمَ بمبلغٍ، حتى الخادمُ قد دفعَ كلَّ مدخراته من أجلك.
الأب (وهو يبكي): لقد أثبتم لي أن الإنسانَ لا يعلمُ أين يكونُ الخيرُ أبدًا، فقد يكونُ في البنتِ أو الولدِ الصغيرِ أو في زوجِ ابنتهِ أو حتى الخادم. سبحان الله. لذلك، عليه ألا يوزعَ تركتَه في حياته، ويعطيَ ولدًا ويمنعَ آخر، أو يحرمَ البناتِ. وإنما يُبقي الأمرَ على ما هو عليه، وبعدَ رحيلهِ تُوزعُ الأموالُ على أصحابِها كما وزَّعها اللهُ عزَّ وجلَّ.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دهان البطن: كيف تتخلص من الدهون المتراكمة في منطقة البطن؟

وصفات أقنعة الشوفان للبشرة

هل تؤثر تناول الفواكه ليلاً على زيادة الوزن؟