قصة حقيقية - قصة الطفل الذي ظهر فجأةً لرجلٍ و امرأته في الصحراء

 في قلب الصحراء الشاسعة، حيث الرمال الذهبية تحتضن زرقة السماء الصافية، كانت عائلة تستمتع بلحظات من السكون والجمال الطبيعي. وجبة بسيطة في أحضان الطبيعة، تبعث على الراحة والاسترخاء. لكن فجأة، ودون سابق إنذار، ظهر زائر غير متوقع.

من بين كثبان الرمل المترامية الأطراف، زحف طفل صغير، بالكاد تجاوز عمره العام والنصف. لم يشعر بقدومه أحد حتى وجدوه بينهم، يشاركهم طعامهم بنهم يثير الدهشة. صمت مذهول خيّم على المكان. من أين أتى هذا الصغير؟ وأين ذهب أهله؟ أسئلة حائرة تملأ العقول.

كان الطفل نحيلًا، وثيابه ممزقة ومتسخة، وغبار الصحراء يغطي جسده الصغير. لكن ما اخترق قلوبهم حقًا، هما عيناه الواسعتان، اللتان تحملان رجاءً صامتًا، نظرة تستنجد بالعالم.

الأب، بفزع، نهض مسرعًا، يتفحص الأفق بحثًا عن أي أثر بشري. لكن الصحراء كانت صامتة، خالية تمامًا، لا خيام، لا سيارات، ولا حتى آثار أقدام عابرة. أما الأم، فتملكها خليط من الدهشة والشفقة، قلبها لم يستطع تجاهل هذا الكائن الصغير الضائع.

الجدة، كان لها رد فعل مختلف. اقتربت منه بهدوء وسكينة، جلست بجانبه على الرمال الدافئة، ومدت يدها الحنونة تربت على رأسه الصغير. ارتجف الطفل قليلًا، لكنه لم يبتعد، بل نظر إليها نظرة غريبة، تحمل ألف سؤال لم يُنطق. بهمس رقيق، قالت الجدة: "لا تخف يا حبيبي"، وبدأت تطعمه لقمة بعد لقمة، وتسقيه الماء ببطء وحنان، كأنها تروي زهرة ذابلة.

الأولاد كانوا يقفون في توتر وقلق. أحدهم، وهو يتلفت حوله بعصبية، قال: "كيف لطفل في هذا العمر أن يكون وحيدًا هنا؟ هذا لا يعقل!". رد عليه أخوه بصوت مضطرب: "أبي، أمي… هذا غريب جدًا، لا يوجد أحد ولا أي أثر… نحن في قلب الصحراء!".

وفجأة، نطق أحدهم بالجملة التي لم يرغب أحد في سماعها: "ربما… ربما لا يكون طفلًا عاديًا". تجمدت الأم في مكانها، والأب نظر إلى ابنه بنظرة حادة، محذرًا: "لا تقل هذا! إنه طفل ضائع فقط… وسنجد له حلًا".

لكن الشك بدأ يتسلل إلى قلوبهم. حكايات الصحراء القديمة، عن الجن وأشكالهم التي تتخذ هيئة الأطفال لاختبار البشر، بدأت تطفو على سطح الذاكرة. همس أحدهم بخوف: "ربما يجب أن نرحل قبل حلول الليل".

لكن الجدة قاطعتهم بحزم: "حرام عليكم! هذا طفل، جائع ومتعب، لا يمكننا أن نتركه هكذا!". ومع غروب الشمس، خيّم عليهم تردد قاتل: هل يتركونه وحيدًا في هذا المكان الموحش؟ أم ينتظرون علّ أحدًا يظهر؟

الأب وقف مترددًا، ينظر إلى الجدة التي كانت لا تزال تحتضن الطفل الصغير وكأنه حفيدها. قالت الأم بقلق واضح في صوتها: "وماذا سنفعل؟ إذا لم يأتِ أحد، ماذا سيحدث له؟".

حل الليل، والرحلة التي بدأت ممتعة تحولت إلى كابوس مليء بالخوف والقلق. الجميع بدأ في تجهيز أنفسهم للعودة، باستثناء الجدة، التي كانت لا تزال جالسة بجانب الطفل، تغطيه بالبطانية الرقيقة التي أحضرتها معهم. قالت بإصرار: "يجب أن نأخذه معنا". لكن الأب هز رأسه بحزم: "لا، سنتصل بالشرطة وهم سيتصرفون".

ردت الجدة بحدة لم يعهدوها منها: "الشرطة؟ سيعتنون به مثلي؟ هذا الطفل يحتاج إلى حضن دافئ!". ساد صمت ثقيل، والجميع غارق في أفكاره المضطربة. ماذا يفعلون؟ ربما هرب الطفل من حادث مروع، أو ربما يكون مفقودًا، أو… أسوأ من ذلك.

أحد الأبناء قال بحيرة: "نحن لا نعرف عنه شيئًا، لا يمكننا أن نتصرف بمفردنا". لكن الجدة، دون أن تعبأ بكلماته، فردت له غطاءً على الأرض الرملية، وغطته بعناية، ودموعها تنزل بصمت على خديها المتجعدين.

بدأ الجو يبرد، ورياح الصحراء الباردة بدأت تهب، تحمل معها رائحة الليل الغامض. الأب أمسك بهاتفه المحمول، واتصل بالشرطة، وحكى لهم كل ما حدث، ثم عادوا إلى المدينة، تاركين الطفل الصغير في مكانه الموحش حتى وصول رجال الأمن.

في السيارة، لم يكن أحد مرتاحًا. الجدة كانت صامتة، لكن دموعها كانت تتحدث بصوت أعلى من أي كلمات. قالت بصوت مخنوق، يخالطه الرجاء: "يا رب… يا رب يكون بخير".

فور وصولهم إلى قسم الشرطة، قص الأب الحكاية كاملة على الضابط المسؤول. كان الضابط مصدومًا، وسألهم مرارًا وتكرارًا: "هل أنتم متأكدون أنه لا يوجد أي أثر لأهله؟". ثم قال بجدية: "يجب أن نذهب إلى المكان فورًا".

صاحب أحد الأبناء دورية الشرطة، وعندما وصلوا إلى المكان، وجدوا الطفل نائمًا، لا يزال ملفوفًا بالبطانية التي تركتها له الجدة. اقترب الضابط منه بحذر، وحمله برفق، لكنه لمح شيئًا لفت انتباهه على الرمال. كانت هناك آثار صغيرة، آثار حبو، تتجه بعيدًا نحو قلب الصحراء.

قال الضابط بفضول: "تعالوا نرى إلى أين تتجه". مشوا خلف الآثار الصغيرة لمسافة طويلة، وفجأة، لمحوا شيئًا مقلوبًا في الأفق. عندما اقتربوا، اتضح أنه حطام سيارة، مهشمة، ومنقلبة عدة مرات. وعندما نظروا بداخلها، وجدوا رجلًا وامرأة متوفيين.

صمت رهيب خيّم على المكان. قال الضابط بصوت خافت: "الحادث… شكله وقع منذ يومين أو ثلاثة أيام". وهنا… انكشفت الحقيقة المرة. هذا الطفل الصغير كان معهما في السيارة المنكوبة، وكان الناجي الوحيد من هذا الحادث المروع.

نظر الضابط إلى الطفل وهو بين ذراعي زميله، وقال بدهشة لا تخفى: "كيف؟ كيف لطفل صغير أن يخرج من السيارة المحطمة، ويزحف كل هذه المسافة؟ وكيف وصل تحديدًا إلى هذه العائلة؟".

شعر الجميع أن هناك شيئًا غير طبيعي في الأمر، كأن قوة خفية كانت تحميه وتقوده إلى بر الأمان. عادوا به إلى القسم، وبدأوا البحث عن أي من أقاربه أو معارفه.

أما العائلة، فعندما عرفوا الحقيقة، صعقوا. الجدة بكت بحرقة، لكنها رفعت عينيها نحو السماء وقالت بصوت يملؤه الإيمان: "كنت أشعر… وقلبي لم يخذلني… كان هناك من يحميه غيرنا".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

روتينك الصباحي للبشرة: 7 خطوات بسيطة للحصول على بشرة صحية

ليلى والسر المدفون: من طردوها للشارع… لصاحبة الإمبراطورية الخيرية